موضوع: أدب الاختلاف في الإسلام الجمعة 17 فبراير 2012 - 15:44
أدب الاختلاف في الإسلام
من أعظم المصائب التي ابتلي بها المسلمون في عصرنا الحاضر اليوم طامة الاختلاف و الشقاق , فما من مجموعة إلا و يخرج عليها شخص يكفر الآخرين و يشنع عليهم إلا من رحم ربك , و كثيرا ما يحدث بين بعض المجموعات خصومات و مهاترات تئد العمل و تمحق بركته , وتشتت الجهود و تبعثر الطاقات , زاعمين في كل ذلك الحرص على الإسلام و الثبات على مبادئه و أصوله , و هم بذلك يجعلون عموم المسلمين دائما في مؤخرة الركب الحضاري و في ذيل قوافل الأمم .
هذا الموضوع هو الذي حاول المؤلف معالجته ليبين فيه أن المسلمين الأوائل قد اختلفوا أيضا لكنهم لم يسفوا في اختلافاتهم . بل إنهم بقوا في دائرة الاختلاف العلمي في وجهات النظر , وبقوا في دائرة الاجتهاد التي تتسع للجميع , وتثيب الجميع مصيبهم و مخطئهم , دون أن يتعدى ذلك إلى الخصومات و المنازعات التي ستفشل الأمة , و تذهب بجهودها في غير الوجهة الصحيحة في مرحلة الصحوة المباركة التي لا بد أن تسقى بماء الجماعة و الوحدة .
ولقد بنى الكاتب كتابه على مقدمة و ست فصول .
·أما المقدمة : فقد تحدث فيها عن هذا المرض العضال الذي يفتك في جسد الأمة , ذاكرا هذا الخلل و سبيل الخروج منه بتصحيح العقل المسلم في تصوراته و في تحديد دوره و استيعاب مهمته في هذا الوجود و ثقل الأمانة المناطة بعنقه .
الفصل الأول ( حقيقة الاختلاف ) جعله في بيان حقيقة الاختلاف و ما يتصل به , حيث تحدث عن الفرق بين الاختلاف و الخلاف و علم الخلاف , و الجدل و علم الجدل , و الشقاق , والمقبول و المردود من الاختلاف , مع ذكر بعض الفوائد التي يمكن تحصيلها من الاختلاف المقبول , ثم ذكر أقسام الخلاف من حيث دوافعه , فثمة خلاف أملاه الهوى , و خلاف يتردد بين المدح و الذم , و ذكر أخيرا رأي العلماء في الاختلاف .
· الفصل الثاني : ( تاريخ الاختلاف و تطوره ) استعرض فيه تلك الموضوعات و الأحداث و المواقف التي حدثت فيها اختلافات في وجهات النظر بين الصحابة ذاتهم في عهد الرسول صلى الله عليه و سلم , ذاكرا آداب هذا الاختلاف , متحدثا عن هذا الاختلاف عند وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم في دفنه و ميراثه و خلافته من بعده , وفي قتال مانعي الزكاة , ثم الاختلاف في عهد الخلافة الراشدة , ثم في عهد التابعين و آدابه , ذاكرا أثر الخلاف السياسي بين الفرق الإسلامية في الاختلافات الاعتقادية و الفقهية , مذيلا الفصل بالمناظرة بين ابن عباس و بين الخوارج , و في ثنايا الفصل تجده يتحدث عن التأويل و أنواعه : فهو قريب و بعيد و مستبعد , و يتحدث كذلك عن ضوابط التأويل و شروطه , وأهل الاجتهاد و الرأي من الصحابة رضوان الله عليهم .
· الفصل الثالث ( اختلاف مناهج الأئمة في الاستنباط ) تحدث فيه عن المذاهب الفقهية , مبينا منهج كل من الأئمة المشهورين : أبي حنيفة و الشافعي و مالك و أحمد و منهج المذهب الظاهري , مبينا أن اختلافات هؤلاء الفقهاء الكبار إنما كانت اختلافات اجتهادية , و هي في الفروع دون الأصول , إذ إن كل واحد منهما متفق مع الآخر في الأصول دون منازع , وخلافهم في الفروع كان خلافا علميا مبرهنا مصحوبا باستدلال علمي يدعم وجهة النظر هذه أو تلك دون تشنج أو تصلب مع استعداد الجميع للرجوع إلى الحق إذا ظهر لهم دليل أو حجة أخرى , و هذه الاختلافات إنما كانت لأسباب متعددة كاختلاف البيئة أو الظروف الاجتماعية أو الزمن , أو توفر الدليل , إلى آخر ما هنالك من أسباب منطقية عقلانية .
· الفصل الرابع ( أسباب الاختلاف و تطورها ) استعرض فيه أسباب الاختلاف بدءا من عهد النبوة حتى عهد الخلافة , ثم أسباب الاختلافات الفقهية في عصر الفقهاء , مبينا أنه ثمة أسباب تعود إلى اللغة وما تحويه من سعة في المعاني و طرق التعبير , أو تعود لرواية السنن و مناهج المحدثين في التشدد أو التساهل في الرواية , أو تعود إلى القواعد الأصولية و ضوابط الاستنباط عن كل واحد من المجتهدين في المسألة .
· الفصل الخامس ( في معالم الاختلاف بين الأئمة و آدابه ) و هنا يقف القارئ موقف الإعجاب و الإكبار لما يرى من الأخوة الحانية عندما يتصفح رسالة الليث بن سعد إلى الإمام مالك , وعندما يقف على نماذج من أدب الاختلاف بين كرام الأئمة من السلف الصالح كأبي حنيفة و مالك , و محمد بن الحسن الشيباني و مالك , و الشافعي و محمد بن الحسن , و أحمد بن حنبل و مالك , و أحمد بن حنبل و الشافعي , و يقف على رأي بعض العلماء في كل من أبي حنيفة و الشافعي رضوان الله عليهم جميعا .
· الفصل السادس ( الخلاف بعد القرون الخيرة و آدابه ) ينعطف الكاتب فيه إلى الحديث عن أدب الاختلاف في القرن الرابع الهجري ,و يتحدث عن الحال بعد القرن الرابع , حتى يصل إلى عصور التقليد و قفل باب الاجتهاد و ما أصاب الأمة من تأخر و انحطاط وجمود , و توقف عن البحث و الاستنباط , و اتكال على ما أنتجه الفقهاء المتقدمين دون مناقشة و حوار , بل بتسليم و تبعية مقيتة خيمت على الأحقاب الأخيرة , ليصل بعد ذلك إلى الزبدة المهمة من هذا العرض , و ذلك بتشخيص أسباب الاختلاف اليوم , وسبيل النجاة كي تعود للمسلمين عافيتهم و سعة صدرهم و انطلاقهم نحو الأسمى . · الخاتمة : يتحدث فيها عن جملة من الأمور التي تزيل الاختلاف من بين صفوف المسلمين و توحد جهودهم , وهم يبصرون دورهم الريادي المناط بهم .
و أخيرا : فإن هذا الكتاب الذي يسوقه مؤلفه الأصولي بلغة فصيحة بينة مصحوبة بالتوثيق العلمي و العزو الدقيق . يحتاج إليه الدعاة و المتحدثون مع الجماهير الإسلامية ليزيلوا ما علق في عقول المسلمين من تعصب و تشنج , وكذلك يحتاجه طلاب الجامعات ليتسع صدرهم و هم يحاورن إخوانا لهم تبنوا مذاهب فكرية معاصرة من الشرق أو الغرب