أحد أعظم شعراء العامية في مصر ويأتي برأيي بعد الشاعرين الكبيرين بيرم التونسي و فؤاد حداد . صلاح جاهين فنان شامل فهو شاعر مجيد ورسام كاريكاتير من الدرجة الأولى …. أعطته شخصيته المرحة وظرفه الكثير من التفرد في مجال الشعر العامي ومجال رسم الكاريكاتير . بل حتى انه كاتب سيناريوهات من الدرجة الأولى كتب سيناريوهات العديد من الأفلام الشهيرة …. ومنها خلي بالك من زوزو .
ولد صلاح جاهين في 25 / 12 / 1930 م بحي بشبرا في شارع جميل باشا. وصلاح جاهين هو الأكبر بين إخوته. والده المستشار بهجت حلمي الذي تدرج في السلك القضائي بدأً من وكيل نيابة حتى عيّن رئيساً لمحكمة استئناف المنصورة. كانت ولادة صلاح جاهين متعثرة تعرضت أثنائها والدته للخطر، فولد شديد الزرقة و دون صراخ حتى ظن المحيطون أن الطفل قد ولد ميتاً، ولكن جاءت صرخة الطفل منبهة بولادة طفل ليس ككل الأطفال. وكانت لهذه الولادة المتعثرة تأثيرها، فمن المعروف أن الولادة المتعثرة تترك آثارها على الطفل فتلازمه طول حياته وقد تتسبب في عدم استقرار الحالة المزاجية أو الحدة في التعبير عن المشاعر - سواء كانت فرحاً أو حزناً، وهو ما لوحظ في صلاح جاهين الذي يفرح كالأطفال ويحزن لدرجة الاكتئاب عند المصائب. استطاع صلاح جاهين ببساطته وتلقائيته التعبير عن كل ما يشغل البسطاء بأسلوب يسهل فهمه واستيعابه، وهو ما جعله فارساً يحلق برسومه وكلماته ويطوف بها بين مختلف طبقات الشعب المصري، بل كانت جواز سفره لمختلف البلدان العربية التي رددت كلماته حَفْزاً للعمل والإنجاز. كل ما نبع من صلاح جاهين وما أحاط به كان يؤهله للثراء الفني والإنساني.. بل كان يرشحه أيضًا لمعاناة تصنعها نيران الموهبة. حظي بحب جماهيري جارف فلم تشهد مصر إلا فيما ندر هذه الموهبة المتسعة الأرجاء شعرًا ورسمًا وغناءً وتأليفًا وتمثيلاً. لم يستكمل صلاح دراسته بالفنون الجميلة ، ولكنه درس القانون في كلية الحقوق إرضاءًً لوالده ، ووصل إلى السنة الأخيرة لكنه في النهاية لم يدخل الامتحان ولم يتخرج منها فقد كان بالفعل وقتها ملء السمع والبصر كفنان وشاعر متميز وكان قد اختار طريقه في الحياة، تزوج مرتين الأولى من السيدة سوسن التي أنجب منها بهاء وأمينة والثانية من الفنانة منى قطان التي اشتركت في تمثيل الأفلام التي انتجها وأنجب منها ابنته سامية . كان أبدع من كتب بالعامية المصرية الأصيلة مستخدما ألفاظ الشارع المصري البسيط لتصوير الأحداث الجارية في كلمات أغنياته وفى وجوهه الكاريكاتيرية المعبرة عن الواقع ، وقد أحب جاهين البسطاء وأسكنهم كلماته ورسومه فمنحوه كل الحب والاحترام وقد عشق الجمهور رباعياته بل أصبحوا يترنمون بها فهي مدرسة في فلسفة الحياة بل انها أصبحت أمثالا يرددها العامة ، وقد اعتبره النقاد امتدادا لبيرم التونسي سيد الزجل الشعبي والسياسي في مصر القرن العشرين. عمل رساما في العديد من الصحف ، أخرها الأهرام . كتب العديد من الأغنيات العاطفية والوطنية ، وسيناريو وحوار أفلام مثل – خللي بالك من زوزو – أميره حبي أنا – شفيقة ومتولي – المتوحشة ، كما ألف العديد من مسرحيات العرائس منها – الليلة الكبيرة ، واو بريت – القاهرة في ألف عام . كان صلاح غزيرا في الإنتاج حيث لم يتوقف لحظة واحدة طوال حياته عن الإبداع . كان يحس أن الحياة قصيرة جدا وسريعة … فدخل في سباق معها فأنجز المئات من القصائد التي تراوحت بين الزجل و الشعر العامي و الشعر الشعبي و تحولت إلى أغنيات غناها عشرات المطربين ، وراوحت بين أغاني الحب و الأغاني الوطنية والأغاني الخفيفة، و كتب أيضا عددا من الأوبريتات الغنائية ربما كان أشهرها أوبريت الليلة الكبيرة الذي ما زال يحتفظ بألقه حتى اليوم، ومئات الرسوم الكاريكاتيرية التي بدأ في رسمها أسبوعيا في مجلتي صباح الخير و روز اليوسف الأسبوعيتين، قبل أن ينتقل إلى صحيفة الأهرام التي كانت آنذاك في أوج ازدهارها، فكان يلخص في رسومه اليومية تلك و في صورة كاريكاتيرية ساخرة الموقف السياسي السائد آنذاك. بدأ صلاح جاهين يكتب الشعر الكلاسيكي في أواخر الأربعينات، قبل أن يبلغ العشرين من عمره. لكنه قرأ يوما قصيدة بالعامية المصرية لشاعر لم يكن قد سمع به آنذاك، فقرر التعرف إليه و كان له ذلك. و لم يكن ذلك الشاعر سوى فؤاد حداد، الذي أثر فيه تأثيرا كبيرا و جمعته به صداقة عميقة استمرت فيما بعد حين تزوجت ابنة صلاح جاهين السيدة أمينة من ابن فؤاد حداد الشاعر أمين فؤاد حداد . و في أواسط الخمسينات بدأ صلاح جاهين مسيرته الفنية التشكيلية في مجلة روز اليوسف، ومسيرته الشعرية التي بلغت ذروتها في ديوانه الشهير والكبير “الرباعيات”. خلال الفترة التي فصلت بين أواسط الخمسينات و بين الخامس من حزيران (يونيو) 1967 غنى صلاح جاهين للحب و الشباب والأطفال، كما غنى للثورة المصرية و لزعيمها جمال عبد الناصر. و لكنه بعد النكسة التي حدثت في ذلك اليوم أصيب بحالة من الكآبة لم يشف منها حتى رحيله، فتوقف عن كتابة الأغاني والأناشيد الوطنية، و اتجه إلى الكتابة في اتجاهين؛ الشعر التأملي العميق كما في الرباعيات ( الأشهر بالعامية ) التي كتبها قبل النكسة وكتب خمس منها بعد النكسة ، والأغاني الخفيفة، و التي ربما كان أشهرها تلك الأغاني التي غنتها الممثلة سعاد حسني في فيلم “خللي بالك من زوزو”، مثل الأغنية التي حملت عنوان الفيلم، و”يا واد يا تقيل” و غيرها. و الطريف أن ملحن هذه الأغاني هو الموسيقي الكبير كمال الطويل، الذي كان في الفترة السابقة، يلحن له أغانيه الوطنية و الحماسية مثل “صورة” و”ياأهلا بالمعارك” و”بستان الاشتراكية” و غيرها. كما لحن له آخر أغانيه الوطنية وهي “راجعين بقوة السلاح”. و قد قال صلاح جاهين مفسرا حالة الكآبة التي دخل فيها و مبررا قراره بالتوقف عن كتابة الأغاني الوطنية، إنه كتب الأغنية المذكورة التي لحنها كمال الطويل لتغنيها أم كلثوم عشية هزيمة الخامس من حزيران (يونيو) 1967. وتقول كلمات الأغنية: راجعين بقوة السلاح **** راجعين نحرر الحمى راجعين كما رجع الصباح **** من بعد ليلة مظلمة و في اليوم التالي جاءت النكسة على نقيض مروع من الأمل الذي تحمله كلمات هذه الأغنية، فلم يحتمل قلب صلاح جاهين المثقل كل هذا الألم فدخل في حالة الاكتئاب حتى مات في 21 نيسان 1986 تعتبر القصيدة الملحمة “على اسم مصر” أهم ماكتب من شعر بعد ذلك وقد كتبت سنة 1971 . إلا أنه أيضاً كتب ديوانه الأخير الجميل “أنغام سبتمبرية” بعد 1967 وكتبت معظم قصائده في الثمانينات. من أعماله السينمائية تمثيل: لا وقت للحب اللص والكلاب المماليك حوار: اللعنه المتوحشه خللى بالك من زوزو شيلنى واشيلك شفيقه ومتولى سيناريو : المتوحشه خللى بالك من زوزو شفيقه ومتولى ومن أعماله الشعرية، رباعيات “صلاح جاهين” التي لحنها الفنان الراحل سيد مكاوي، وغناها المطرب علي الحجار، وكذلك كلمات الكثير من الأغاني مثل والله راجعين بقوة السلاح التي لحنها كمال الطويل وغنتها المطربة أم كلثوم، وكذلك الأغنية الشهير لسيد مكاوي “ليلة امبارح ما جانيش نوم”، وله أيضا عدة دواوين شعر عامي ومسرحيات أطفال، كان أروعها بالتأكيد ما لحنه سيد مكاوي على شكل أوبريت: الليلة الكبيرة . رحمك الله يا علم يا شاعر .