موضوع: *****المولد النبي***** السبت 23 يناير 2010 - 18:59
لا تطمع أن تجد نصاً شرعياً يندب بالاحتفال بالمولد النبوي، أو تجد قولاً لصحابي يحث فيه بالاحتفال بالميلاد النبوي، ولن تجد لتابعي أو تابع تابعي شيء من ذلك؛ بل إذا أردت ذلك فعليك أن تذهب إلى القرون المتأخرة والتي ظهر فيها البدع فستجد بغيتك هناك، فنشأة الاحتفال بالمولد أحدثت في عهد الفاطميين الروافض كما ذكر ذلك ابن كثير. ولاشك ببدعية الاحتفال بالمولد النبوي وذلك لعدم وروده شرعاً ولم يفعله خيرة هذه الأمة فلم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته الكرام ولا التابعون لهم بالإحسان في القرون المفضلة. وعدم فعله مع توفر الدواعي على ذلك يدل على عدم مشروعيته ومن فعله كان مبتدعاً ضالاً قد أحدث في هذا الدين ما ليس فيه، فعمله مردود عليه كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" وهو ضال لقول النبي صلى الله عليه وسلم " فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة" قال الشاطبي :" والعامل بغير السنة تدينا هو المبتدع بعينه " وهذا المحتفل بالمولد ألا يكفيه الاقتداء بالصحابة والقرون المفضلة أم أن لسان حاله يقول: إنهم على ضلال عندما تركوا الاحتفال بالمولد! أم أن الصحابة لا يعرفون مقدار النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعظموه حق التعظيم؟ أم أنهم استدركوا على الدين نقص ؟ والدين قد كمل كما قال الله تعالى: " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِيناً )(المائدة: من الآية3) فالمولد هو تزيين الشيطان للناس أعمالهم، وهو تشبه بأهل الكتاب في أعيادهم، كما قال ابن تيمية :" وإنما يفعل مثل هذا النصارى الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى عليه السلام أعيادا، أو اليهود. وإنما العيد شريعة فما شرعه الله اتبع، وإلا لم يحدث في الدين ما ليس منه. وكذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيما له، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد؛ لا على البدع من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدا " فهذا المولد الذي أحدثه جهّال هذه الأمة وجعلوه سنة وقربة تقليداً لأهل الكتاب. وقد جهلوا أن العمل لا يقبل إلا بتحقيق شرطين: الإخلاص والمتابعة، والشرط الثاني منتفي هنا البتة. فحقيقة الاحتفال بالمولد أنه تشريع مضاهي لتشريع الله تعالى (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)(الشورى: من الآية21) فأين الأذن من الله بعمل هذا العمل المحدث؟ قال الله تعالى:(ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (الجاثـية:18) فالأحكام التشريعية لا تؤخذ إلا من طريق واحد هو طريق الرسول صلى الله عليه وسلم وما كان سواء ذلك فهو تشريع باطل محدث لا يقبل. والاحتفال بالمولد دخل إلى بعض أفراد هذه الأمة بلباس حب الرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيمه. وحقيقة المحبة هي إتباعه صلى الله عليه وسلم قلباً وقالباً وليس وضع طريقة وهدي لم يضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستحسان شيء لم يشرعه الله ولا رسوله لا يتفق مع زعم المحبة. فالعقل لا يستقل في إدراك الأمور الشرعية؛ بل لابد من الوحي لمعرفة الشريعة وتقرير الأحكام. والاحتفال بالمولد النبوي إن كان ديناً فلا بد أن يذكره الله في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، فإن لم يذكره الله تعالى فهو ليس من الدين، فالدين قد كُمل ، ولم يقبض الله نبيه إلا وقد بيّن لها دينهم كاملاً كما قال تعالى ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً)(المائدة: من الآية3) وقال تعالى (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (التوبة:115) وجاء في حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما بعث الله من نبي إلا كان حقا عليه أن يدل على أمته على خير ما يعلمه لهم وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم" رواه مسلم وهو القائل :" تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك " وقال أبو ذر رضي الله عنه:" لقد توفي رسول الله وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكرنا منه علما" وفي صحيح مسلم أن بعض المشركين قالوا لسلمان لقد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة. قال: أجل" وقال صلى الله عليه وسلم :" ما تركت من شيء يقربكم إلى الجنة إلا وقد حدثتكم به، ولا من شيء يبعدكم عن النار إلا وقد حدثتكم عنه " فأين في كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو فعل أحد من الصحابة من احتفل بالمولد. ولكن هذه ميزة أهل البدع هو التساهل في أتباع الشارع كما قال الشاطبي عن الصوفية :" إنهم يتساهلون في إتباع السنة ويرون اختراع العبادات طريقا للتعبد " وقال أيضاً عنهم وهم :" في كثير من الأمور يستحسنون أشياء؛ لم تأت في كتاب ولا سنة، ولا عمل بأمثالها السلف الصالح، فيعملون بمقتضاها، ويثابرون عليها، ويحكمونها طريقا لهم مهيعاً وسنة لا تخلف، بل ربما أوجبوها في بعض الأحوال " وقال أيضاً عنهم:" ومن نظر إلى طريق أهل البدع في الاستدلالات؛ عرف أنها لا تنضبط؛ لأنها سيّالة لا تقف عند حد، وعلى كل وجه يصح لك زائغ وكافر أن يستدل على زيغه وكفره حتى ينسب النحلة التي التزمها إلى الشريعة " لذلك لا تعتبر مسألة المولد من المسائل الخلافية المعتبرة التي لا ينكر فيها؛ بل نعتبرها من المسائل البدعية التي ينكر فيها على المخالف ، لأنه دليلهم رأى في المنام، فجعلوا ذلك سنة مؤكدة. فطرق الاستدلال التي يبنون عليها أحكامهم خاطئة غير منهجية لذلك قد يتعذر تركهم بدعتهم هذه ما لم تكن طرق استدلالهم بالكتاب والسنة.
وقد تتساءل إذا لم يكن هناك دليل يرغب على الاحتفال بالمولد فكيف أقاموا هذا الاحتفال؟ لاشك أنه لا يوجد دليل البتة وإنما شبهات واستدلال بعيد، وسنذكر أهم أدلتهم مع مناقشتها بإيجاز: أولاً: أنه تعبير عن الفرح والسرور بالمصطفى صلى الله عليه وسلم وقد انتفع به الكافر فقد ذكر السهيلي أن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال : لما مات أبو لهب رأيته في منامي بعد حول في شر حال. فقال: ما لقيت بعدكم راحة، إلا أن العذاب يخفف عني كل يوم اثنين. قال: وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين. وكانت ثويبة بشرت أبا لهب بمولده فاعتقها . ويقول في ذلك الحافظ شمس الدين محمد الدمشقي : إذا كان هذا الكافر جاء ذمه بتبت يداه في الجحيم مخلــدا أتى أنه في يوم الاثنيـن دائماً يخفف عنه للسرور بأحمــدا فما الظن بالعبد الذي كان عمره بأحمد مسرورا ومات موحدا المناقشة أولاً: جعل علاقة الفرح والسرور بالنبي صلى الله عليه وسلم هو الاحتفال بالمولد جهل شديد بالدين، وتشبيه بالنصارى؛ حيث جعلوا هناك يوماً للأم شكراً لها وتقديراً وعرفاناً لما بذلته في تربية أبنائها ثم هجرانها طوال العام. وحقيقة الفرحة هو الإتباع والاقتداء به عليه الصلاة والسلام. ثانياً: لم يثبت في تحديد ميلاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحديداً صحيحاً. ثالثاً: الاستدلال بالمنامات والرؤى لإثبات عمل تعبدي أمر باطل، فالمنامات لا يؤخذ منها حكم شرعي البتة بخلاف رؤيا الأنبياء فإنها حق. فقولكم لا حجة فيه. قال الشاطبي :" الرؤيا من غير الأنبياء لا يحكم بها شرعا على حال؛ إلا أن تعرض على ما في أيدينا من الأحكام الشرعية، فإن سوغتها عمل بمقتضاها، وإلا؛ وجب تركها والإعراض عنها، وإنما فائدتها البشارة أو النذارة خاصة، وأما استفادة الأحكام فلا " رابعاً: انعقد الإجماع كما ذكر ذلك القاضي عياض "على أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب ولكن بعضهم أشد عذابا بحسب جرائمهم" خامساً: وعلى تقدير القبول فإن قول عروة لما مات أبو لهب أريه بعض أهله إلى آخره خبر مرسل أرسله عروة ولم يذكر من حدثه به . فسقط استدلالكم بالمنامات لعدم صحة الخبر.