الحمد لله رب العالمين والصلاة و السلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد ...
فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ثوبان قوله (إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها و مغاربها و إن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها و إني أعطيت الكنزين الأحمر و الأبيض و إني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكوا بسنة عامة و لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم و إن ربي عز و جل قال : يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد و إني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة و أن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم و لو اجتمع عليهم من بين أقطارها حتى يكون بعضهم يفني بعضا و إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين و إذا وضع في أمتي السيف لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة و لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين حتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان و إنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي و أنا خاتم النبيين لا نبي بعدي و لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله .)
الشاهد منه قوله صلى الله عليه وسلم (و إذا وضع في أمتي السيف لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة)
وهذا ما شوهد عبر تاريخ الإسلام من مقتل عثمان رضي الله عنه ثم علي ومحاولة قتل عمروًا وكذلك معاوية التي كانت سببًا لإتخاذ الحراسة له فيما بعد ومقتل الحسين وابن الزبير وعدد من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ..
هذه الدماء التي أريقت بسيوف ٍأصحابها يستقبلون القبلة ويقرأون القرآن ويدينون بدين الإسلام . مصداق لما قال النبي صلى الله عليه وسلم (و إذا وضع في أمتي السيف لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة) .
ثم توالت القرون بعد ذلك والدماء التي أول ما يُقضى بين الناس يوم القيامة, تكون هي أهون الأمور إذا جاءت هذه الفتن والإختلافات , خصوصًا إن كان الخلاف منبعه أحد الأمراء أو دفاعًا عنه .
ولم يخطئ من أخطأ بإراقتها إلا لإلتباسها على الناس , وقد كان من يريد السلامة لدينه إعتزالها وقد كان من مناقب بعض الصحابة أن يٌقال فيهم (أعتزل الفتنة) ولما أُريد ابن عمر على الفتنة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه أبـى ، وهرب إلى مكة .
وما أجمل تعامل سعد بن أبي وقاص وكلماته في هذا الشأن تكتب بماء الذهب رضي الله عنه والتي يجب على جميع العلماء أن يُحدثوا بفعله وقوله , في زمن الخلاف بين الأمراء والفتن , وحتى يعلم الناس كيف يكون التعامل مع الفتن فعن عامر بن سعد أن أباه سعدًا كان في غنم له فجاء ابنه عمر , فلما رآه قال : أعوذ بالله من شر هذا الراكب .فلما أنتهى إليه قال : يا أبتي أرضيتَ أن تكون أعربيًا في غنمك و الناس يتنازعون بالملك في المدينة ؟ فضرب صدر عمر وقال : اسكت , فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إن الله عز وجل يحب العبد التقي الغني الخفي ) وقد اعتزل سعد في الفتنة الكبرى بين علي ومعاوية رضي الله عنهما, وأمر أهله وأولاده ألا ينقلوا إليه شيئا من أخبارها ، وقد ذهب إليه ابن أخيه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ويقول له: يا عم , ها هنا مائة ألف سيف يروك أحق الناس بهذا الأمر. فيجيبه سعد: أريد من مائة ألف سيف, سيفا واحدا، إذا ضربت به المؤمن لم يصنع شيئا, وإذا ضربت به الكافر قطع"
وقد كان دأب الصالحين إذا رأوا الفتنة قامت بين الأمراء اعتزلوها ولم يسألوا حتى عن أخبارها وإنما يكون فعلهم هو الدعاء بأن يكشف الله الغمة ويولي على المسلمين خيارهم .
هذا الحسن البصري رضي الله عنه ورحمه يقول لما رأى تذمر الناس من ولاية الحجاج نصح لهم فقال: إن الحجاج عقوبة من الله لم تك، فلا تستقبلوا عقوبة الله بالسيف، ولكن استقبلوها بتوبة وتضرع واستكانة، وتوبوا تُكْفَوه .
وروي عنه أو عن غيره أن ما أصابنا إلا بسبب ذنوبنا وإنكم إن توكلتم على السيف وكلتم إليه .
أيها الأخوة
إن للإنسان نفسًا واحدة وإن الموت في سبيل الله أمنية كل مؤمن ولكن مع من ؟ فهذه النفس الواحدة ستموت في سبيل من ؟ ولو أنك لم تمت فلمن أرقت الدماء وهل من قتلتهم ممن يستحق القتل ؟ وفي سبيل فوز من تقاتل لأجله قد لا تلاقي حظاً دنيويًا فلأن تكون عبد الله المقتول خير لك من أن تكون العبد القاتل .. من أين لك سيفًا ينطق بأن فلانًا كافرًا وفلانًا مسلمًا ؟ أو أن تزهق الروح بقتال مات المقتول ويُخشى أن يقول عند الله (إنا أطعنا سادتنا وكبرائنا فأضلونا السبيلا) فكما قال صلى الله عليه وسلم في المسلمين الذين التقيا في سيفهما (القاتل والمقتول في النار) قالوا هذا في القاتل فما بال المقتول ؟ قال : (إنه كان حريصًا على قتل أخيه) أو كما قال صلى الله عليه وسلم , ومن حيي ولم يمت في هذه الفتنة فإنه قد لا يكون له من قتاله من الحظ الدنيوي سوى أن يبقى الحزب الفلاني أو يموت الفلاني أو يحيى الأمير فلان ويموت الأمير فلان .
أكثروا من الطاعات و الإستغفار والتوبة والإنابة إلى الله . [/size]